أورين زيف – من قرية السِّر في النقب – يصف كيف اقتحمت قوات كبيرة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي يوم الأربعاء القرية البدوية الفلسطينية غير المعترف بها، ودمّرت حي العمراني بما فيه نحو 40 منزلاً وهياكل أخرى. وتصاعد دخان أسود كثيف فوق القرية بعدما أضرم السكان النار في بيوتهم باستخدام إطارات مطاطية، بعدما حاولوا حتى اللحظة الأخيرة التوصل إلى تسوية مع السلطات.
أكد موقع ميدل إيست آي أن مئات من عناصر الشرطة – بعضهم على دراجات نارية ومركبات دفع رباعي وخيول – هاجموا الحي الذي نُقل إليه السكان قسراً في خمسينيات القرن الماضي من منطقة مجاورة. وتُعد السِّر أكبر قرية في البلاد تتعرض لقرارات هدم حتى الآن. وأخطرت الشرطة الأهالي قبل يوم واحد بأن عليهم دفع تكلفة العملية التي بلغت ثلاثة ملايين شيكل (نحو 900 ألف دولار).
قبل وصول القوات، انشغل توفيق العمراني، 50 عاماً، بإخلاء منزل والدته البالغة 85 عاماً التي تعيش على جهاز أكسجين. قال الرجل: "ولدت هنا، وتاريخي كله هنا. مؤلم أن ينهار كل ما عشته. أمي لن تجد حتى سقفاً يحميها". وأضاف: "لو منحونا مكاناً بديلاً حتى تجهيز الحي الجديد، لكان الأمر أهون، لكنهم يتركوننا لمصيرنا".
منذ الصباح، اشتبك الأهالي مع الشرطة عند مدخل الحي. ألقى الضباط قنابل صوتية وغازية وأصابوا عدداً من المحتجين. وفي التلال المجاورة، اجتمعت نساء وأطفال يصرخون بوجه الجرافات المدعومة بعشرات الجنود.
قال فادي، شاب بدوي في الرابعة والعشرين: "يريدون أن يكبر أطفالنا على الكراهية. أخي تزوج بعدما أنفق 160 ألف شيكل لبناء بيته، والآن صار في الشارع".
جلست امرأة في الحادية والستين تبكي على أنقاض بيتها قائلة: "أين سننام ونأكل ونغتسل؟ ماذا يريد الوزير بن غفير منا؟ نحن كنا هنا قبل الدولة، قبل الصهاينة، هذا قريتنا". بينما قالت مليحة، 55 عاماً، وهي تشاهد بيتها يُسوى بالأرض: "سننصب خياماً ونعيش فيها. هم يهدمون ونحن نبني".
بلغ عدد المنازل المهدومة في السِّر نحو 200 منذ مايو، وهذه الموجة الرابعة من الهدم. بعض العائلات أقدمت على هدم بيوتها ذاتياً لتجنب الغرامات والعنف. ويضم الحي نحو 600 أسرة موزعة شرق وغرب الطريق 40. السلطات بررت العملية بخطط لإقامة حي جديد في بلدة شقيب السلام، لكن دون ضمان حصول المهجرين على بيوت فيه.
قال زياد العمراني: "تحدثنا مع السلطات شهرين بلا جدوى. هدفهم الوحيد هو التدمير. نحن عائلات تعيش هنا منذ 80 عاماً ولسنا مجرمين. يصفوننا بالغزاة بينما جذورنا هنا". وأشار إلى أن التضامن المجتمعي لم يعد كافياً، بعدما هدمت الدولة أحياء كاملة.
الاجتماع الذي عُقد قبل العملية بين الشرطة و"سلطة البدو" انتهى بلا اتفاق. أعطت السلطات بعض الأسر أقل من ساعتين لهدم بيوتها، من دون وثائق أو ضمانات مكتوبة. قال علي، أحد السكان: "لو أعطونا ورقة قانونية لكنا وقعنا، لكنهم يطلبون منا أن نهدم بيوتنا لنُسجل كأننا فعلناها بإرادتنا".
تنص الخطة الحكومية على إقامة 1700 وحدة سكنية، لكن توزيعها يخضع لمراحل طويلة: أولاً اعتراف رسمي بالأهلية، ثم تخصيص الأرض، وأخيراً رخص البناء المرتبطة بتطوير البنية التحتية. في القرى التي جرى الاعتراف بها مؤخراً، لم يحصل إلا قلة على تراخيص حقيقية، ما يثير شكوكاً واسعة بين الأهالي.
مع انسحاب القوات في منتصف النهار، نشر المفتشون لافتات صفراء تمنع البناء في الموقع، بينما طردت الشرطة شباناً حاولوا الاقتراب من الأنقاض. أحد المعلّمين من شقيب السلام قال وهو يوزع الماء على الأسر: "الأطفال استيقظوا على مشهد مدرّعات تهدم بيوتهم. الآن لا مكان لهم للدرس أو حتى للاستحمام قبل المدرسة".
منذ بداية 2023، دُمّر نحو 11 ألف مبنى، بينها 2500 منزل، ما جعل أكثر من 10 آلاف شخص بلا مأوى، وفق بيانات المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها. في يونيو، تظاهر الآلاف في بئر السبع احتجاجاً وأطلقوا حملة مقاطعة محلية كبّدت بعض المتاجر خسائر. هذا الأسبوع عاد الغضب إلى الشارع، حيث احتشد 1500 شخص أمام المجمع الحكومي.
قالت هدى أبو عبيد، المديرة التنفيذية لمنتدى التعايش في النقب، إن الاحتجاجات تعكس غضباً عاماً متصاعداً، مشيرة إلى الروابط العائلية بين بدو النقب وفلسطينيي غزة. وأكدت: "ما يحدث هنا ليس مجرد هدم منازل، بل تهجير وتطهير عرقي".
https://www.middleeasteye.net/news/bedouin-families-homeless-israel-demolishes-negev-village